يعمل السياسيون والمخططون على الاستفادة من التكنولوجيا لتلبية متطلبات السكان وتوفير خدمات ذات كفاءة أكبر، وذلك في سعيهم لإنشاء مدن ذكية. يأتي ذلك خاصة مع اندفاع المزيد من الناس إلى المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى إجهاد البنية التحتية والخدمات. ومن خلال الاستفادة من التكنولوجيا القائمة على إنترنت الأشياء (IoT) ودمج مستخدمي الإنترنت في أنظمة جديدة تجعل المدينة ذكية ومتطورة، يمكن تحقيق ذلك.
الكثير من هذا العمل لا يزال في البداية، حيث تبني المدن ذكية في الأساس. بعد حوالي 10 سنوات، يدخلون مرحلة تطوير جديدة حيث يتم تسخير الحلول الرقمية لتقديم معلومات في الوقت الفعلي للمستخدمين من خلال التطبيقات المتصلة.
ما الذي يجعل المدينة ذكية؟
بشكل عام، يتطلب الأمر حلول إنترنت الأشياء التي تعمل على تحسين البنية التحتية لإشراك المواطنين بشكل أفضل في إدارة الخدمات. تقوم المستشعرات والشبكات والتطبيقات بجمع البيانات حول استخدام الطاقة وحجم وأنماط حركة المرور ومستويات التلوث والمواضيع الأخرى التي يتم تحليلها بعد ذلك واستخدامها لتصحيح الاستخدام والأنماط والتنبؤ به. إن إتاحة هذه البيانات للجميع تسمح للمواطنين والشركات بالاستفادة من تلك المعلومات.
أكثر من ذلك، تتطلب المدن الذكية قادة لديهم رؤية طويلة الأمد وأفرادًا ملتزمين بالتعاون. تقوم العديد من الوكالات والاستشاريين والشركات الخاصة بتتبع تطور المدن الذكية، وهناك ثمانية موضوعات معترف بها بشكل عام تتحد لجعل المدينة ذكية:
- التنقل
- الرعاية الصحية
- الأمن
- المياه
- الطاقة
- المشاركة والمجتمع
- التنمية الاقتصادية والإسكان
- النفايات
داخل كل قطاع من هذه القطاعات، توجد ثلاثة محاور تعمل معًا لجعل المدينة الذكية تعمل. وفقًا لتقرير حديث صادر عن شركة McKinsey، فإن المحور الأول عبارة عن قاعدة تقنية ضخمة من الهواتف الذكية وأجهزة الاستشعار المتصلة بشبكات اتصال عالية السرعة. المحور الثاني يتكون من تطبيقات محددة تترجم التدفق المستمر من البيانات الأولية إلى تنبيهات ورؤى وإجراءات.
أما المحور الثالث قد يكون هو الأكثر أهمية، وهو الحصول على موافقة ومشاركة الجمهور. التطبيقات التي تعرض حجم حركة المرور في الوقت الفعلي، على سبيل المثال، تسمح للسائقين والمشاة بتخطيط طرق السفر بشكل أفضل والتكيف في أي لحظة.
العشرات من التطبيقات متاحة بالفعل في كل المجالات، على سبيل المثال:
- يساعد رسم خرائط الجريمة في الوقت الفعلي في عمل الشرطة.
- الطب عن بعد يساعد المرضى دون الذهاب الى الأطباء، أو يساعد المريض على التوجه مباشرة الى التخصص المطلوب.
- التتبع الرقمي لأوعية النفايات يخبر ناقل القمامة عندما تكون سلة المهملات ممتلئة.
- تسمح قواعد البيانات المفتوحة لأصحاب الأعمال بالتكيف بناءً على حركة المرور أو تدفق المشاة.
تتقدم بعض المدن في تطوير هذه الخدمات أكثر من غيرها، حيث تتصدر تلك الموجودة في آسيا وأوروبا. دبي وسنغافورة، على سبيل المثال، لديهما بنية تحتية ومشاريع بناء كبيرة ومميزة كلها تتبنى إنترنت الأشياء.
فيما يلي أهم المعلومات عن المدن المعروفة بأنها رائدة في اتجاه التحول الى مدن ذكية:
سنغافورة
سنغافورة هي ثاني أكثر دول العالم كثافة سكانية، حيث تبلغ كثافة سكانها حوالي 8000 شخص لكل كيلومتر مربع. في مواجهة هذا، تتطلع الحكومة إلى التطورات الرقمية لزيادة الإنتاجية في اقتصاد متقدم بالفعل. تهدف رؤية Smart Nation إلى جمع المعلومات رقميًا من جميع أنحاء المدينة باستخدام أجهزة استشعار مرتبطة بصناديق لتجميع البيانات. يتم إرسال البيانات التي تم جمعها حول حجم حركة المرور أو نشاط المشاة إلى الوكالات المناسبة لتحليلها واتخاذ إجراءات في تقديم الخدمات. ما يقرب من 95% من المنازل لديها إمكانية الوصول إلى الانترنت وتوفر هذه البيانات المعلومات للمواطنين والقطاع الخاص للاستفادة من البيانات لأهداف شخصية أو تجارية.
للتخطيط، تقود مؤسسة الأبحاث الوطنية في سنغافورة تطوير مشروع سنغافورة الافتراضية، وهو عبارة عن نموذج مدينة ديناميكي ثلاثي الأبعاد ومنصة بيانات مشتركة. وقد تم إتاحتها للشركات العامة والخاصة لتطوير أدوات لاختبار النماذج والخدمات، مثل محاكاة تشتت الحشود من الأماكن الرياضية المستقبلية. نظرًا لأن 80% من السكان يعيشون في مساكن عامة، تعمل الوكالات الحكومية مع الشركات الخاصة لاختبار تقنيات المنزل الذكي، مثل أنظمة الطاقة المنزلية وإدارة المياه وأنظمة المراقبة لكبار السن.
يتم دمج التقنيات الذكية في الإسكان من خلال إطار يراعي البيئة والمباني والمعيشة. على سبيل المثال، يقوم المهندسون بتحليل تدفق الرياح، وتغلغل الطاقة الشمسية، والمناطق المظللة لتحسين تصميم وإنشاء مبانٍ جديدة. تخطط الحكومة قبل نهاية 2022 لتنفيذ إنارة ذكية وموفرة للطاقة لجميع الطرق العامة، وتركيب الألواح الشمسية على أسطح منازل 6000 مبنى.
قدمت سنغافورة العديد من مشاريع المدن الذكية في جميع جوانب الحياة، على سبيل المثال:
- استخدام أسطول ذاتي القيادة لمساعدة كبار السن أو ذوي القدرة المحدودة على التنقل.
- اعتماد الروبوتات وروبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتحدث مع كبار السن لتوفير المعلومات وتقليل الشعور بالوحدة.
- رقمنة نظام الرعاية الصحية الذي يسمح، من بين أشياء أخرى، بإجراء استشارات بالفيديو.
- توفير التطبيقات التي تمكّن من استدعاء السيارات ذاتية القيادة والوصول إلى المعلومات المصممة لتناسب التركيبة السكانية المحددة وتلقي تنبيهات بيئية خاصة بالموقع.
- جمع تصورات المواطنين وإحصاءات باستخدام تقنية المشاركة في الاتصال الخاصة ب Hello Lamp Post.
دبي
تتبنى دبي خطة تمتد لسبع سنوات لرقمنة جميع الخدمات الحكومية، بما في ذلك حوالي 100 مبادرة تشمل النقل والاتصالات والبنية التحتية والكهرباء والخدمات الاقتصادية والتخطيط الحضري. ما يقرب من 90 خدمة حكومية الآن رقمية، ويمكن الوصول إليها من خلال تطبيق DubaiNow.
أدى نظام مراقبة سائقي الحافلات باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل حوادث المرور الناتجة عن التعب بشكل كبي ، وفقًا لهيئة الطرق والمواصلات.
يوجد بالفعل في المدينة ثلاثة مراكز شرطة مستقلة حيث يمكن للناس دفع غرامات أو الإبلاغ عن الحوادث دون التحدث إلى أي شخص.
تراهن دبي على مجموعة من المشاريع عالية التقنية باستخدام التكنولوجيا المبتكرة لتعزيز مكانتها. قام المقاولون مؤخرًا ببناء مبنى خرساني يبلغ ارتفاعه 31 قدمًا ومساحته 6889 قدمًا مربعًا باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وهو مثال على كيفية تخطيط الإمارة لبناء مشاريع تطوير مستقبلية. ولعل أشهر مشروع هو مشروع هايبرلوب دبي-أبو ظبي. يمكن أن يكلف 6 مليارات دولار عند اكتمال النظام البالغ طوله 151 كيلومترًا. يعد هايبرلوب بأوقات السفر بين دبي وأبو ظبي في 12 دقيقة بدلاً من ساعة التي تستغرقها المسافة الآن.
أوسلو
يتم ادراج العاصمة النرويجية بانتظام على القوائم العالمية للمدن الذكية. وتعتبر جهودها لمعالجة تغير المناخ من الأسباب الرئيسية لذلك. تمثل المباني حوالي 40% من استهلاك الطاقة على مستوى العالم، وتتبنى أوسلو استخدامًا واسعًا لأجهزة الاستشعار للتحكم في الإضاءة والتدفئة والتبريد. هدف المدينة هو خفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى 95% بحلول عام 2030.
أعلنت النرويج عن خطط لبناء مدينة ذكية مستدامة على مساحة 260 فدانًا بالقرب من مطار أوسلو لتطوير مجتمعات تعتمد على التكنولوجيا. المدينة مصممة ليتم تشغيلها بالطاقة المتجددة فقط. ستعمل الأنظمة المستندة إلى أجهزة الاستشعار على تشغيل الإضاءة التلقائية للشوارع والمباني جنبًا إلى جنب مع إدارة النفايات والأمن. لن يُسمح إلا بالسيارات الكهربائية، لكن المخططين يريدون في النهاية سيارات ذاتية القيادة.
كوبنهاغن
يراقب نظام كوبنهاجن ويحلل حركة المرور والبيانات الأخرى في الوقت الفعلي. تتجه العاصمة الدنماركية نحو تطوير ذكي متكامل مع سياساتها البيئية الصارمة. تمتلك المدينة نظام يراقب حركة المرور وجودة الهواء وإدارة النفايات واستخدام الطاقة وعناصر أخرى ويقارن العمليات في الوقت الفعلي. يربط أنظمة أماكن ركن السيارات وإشارات المرور والمباني وأنظمة الشحن للسيارات الكهربائية لتوجيه حركة المرور في الوقت الفعلي وتحسين استخدام الطاقة وفقًا لأسعار الوقود وحركة المرور والطقس. تهدف القدرة على تحليل جميع هذه البيانات وقياسها ومقارنتها إلى زيادة الكفاءة في تقديم الخدمات.
كيف يصل كل هذا إلى المستخدمين؟
يستخدم راكبو الدراجات – وهناك الكثير منهم في كوبنهاغن، حيث يستخدم نصف سكان المدينة الدراجات – تطبيقًا تم تطويره من كل هذه البيانات التي ترشدهم عبر شوارع المدينة ويخبرهم بمدى السرعة التي يحتاجون إليها للحصول على الضوء الأخضر التالي. الاتجاه الى طرق أخرى، باستخدام التعليقات الواردة من المستخدمين الآخرين. كما يقيس المسافة المقطوعة بالرحلة والسعرات الحرارية المحروقة.
أمستردام
تبنت المدينة الهولندية بحماس المفاهيم والتكنولوجيا الذكية، وأنشأت قاعدة بيانات مفتوحة تضم 12,000 مجموعة بيانات تم الحصول عليها من كل منطقة حضرية، ويمكن للمستخدمين الوصول إلى هذه البيانات باستخدام أجهزتهم.
يقوم مشروع بين القطاعين العام والخاص ببناء شبكة ذكية صغيرة في مشروع سكني، حيث يتم توزيع الطاقة وتخزينها بناءً على الطلب. مشروع آخر للشبكة الذكية قيد التطوير يستخدم ثاني أكسيد الكربون لتوليد الكهرباء. أمستردام لديها أيضًا إضاءة ذكية مع مصابيح LED، ويمكن للمشاة وراكبي الدراجات استخدام تطبيق لزيادة الضوء عند المرور، ثم تخفت الأضواء بعد مرورهم.
تستخدم مبادرة مدينة أمستردام الذكية (ASC) – إحصاءات من شركات التأمين لاكتشاف المناطق التي بها مستويات عالية من الأشخاص المصابين بالاكتئاب الذي لم يتمكنوا من الوصول إلى موارد العناية اللازمة.
نيويورك
وضعت نيويورك تدابير للحفاظ على الموارد مثل الطاقة والمياه وتقليل الأثر البيئي للمدينة، مع جعل المدينة مكانًا أفضل للعيش فيه. في ضوء ذلك، قدمت نيويورك مشاريع مثل:
- إعادة استخدام كبائن الهواتف القديمة وتحويلها الى منصات لشحن الأجهزة والحصول على شبكة WiFi مجانية وسريعة.
- الاستفادة من إنترنت الأشياء واستخدام أجهزة تعقب GPS لابلاغ السكان عن موعد وصول الحافلات. يمكن لأجهزة الاستشعار الموجودة في الحافلات أيضًا الاتصال بإشارات المرور، والتي ستتحول إلى اللون الأخضر عند وصول الحافلة. وهذا يتيح للحافلات الوصول إلى وجهتها في الوقت المحدد.
- سلة مهملات BigBelly وهي سلة مهملات ذكية، مزودة بمستشعر لاسلكي لمراقبة مستويات القمامة مما يساعد على تحسين الخدمة.
زيورخ
تركز العاصمة السويسرية زيورخ على ثلاثة مجالات رئيسية في استراتيجيتها الذكية: الأشكال المستقبلية للتنقل العام المتكامل، والمدينة الرقمية، والمشاركة الذكية. وبالتالي، يتم تنفيذ العديد من المشاريع الذكية، مثل:
- Pikmi – خدمة سيارات الأجرة عند الطلب التي تستخدم السيارات لنقل أكثر من راكب متجهين في نفس الاتجاه في نفس الوقت.
- LoRaWan – شبكة طويلة المدى تمهد الطريق لأجهزة استشعار إنترنت الأشياء في الأماكن العامة والتي يمكن أن تساعد في قياس التلوث وقيم المياه ومواقف السيارات الخالية.
- HoloPlanning – مع نظارات الواقع المعزز مثل “HoloLens”، سوف يمكن جعل المباني المستقبلية وخطوط الأنابيب تحت الأرض وغير ذلك الكثير مرئية في الموقع كصورة ثلاثية الأبعاد.